قديمــــا كنت أدرس فى المرحله الثانويه أن حل أى مسألة يتطلب الحصول على المعطيات لتصل إلى النتائج ولكن ولأن واقع المجتمع المصرى ظلَّ مقلوباً لسنوات طوال فقد تعلمت أن اعكس ما تعلمته وأصبحت أرى النتائج أولاً لأصل بسهولة ويسر إلى معطيات الواقع المصرى .
ونتائج وحال أغلب مشجعى الكرة فى مصر " خصوصا الجيل الجديد من المشجعين " كانت وما زالت تنطق بواقع سطحى وفكر مشوش وهروب إلى الوهم وكان كل ذلك للأسف مٌغَلَّف بقيَّم سامية مثل الانتماء للكيان والوطنية وغيرها من المصطلحات التى تم تفريغها من معانيها الحقيقية على أيدى هؤلاء التائهين .
خلال سنوات قليلة ماضية تم حرق مشجع وحرق اتوبيسات وتبادل لقذف الحجارة عند مداخل المدن وهجوم على مقرات أندية وتبادل سباب وأهانات واتهامات بالعمالة والفساد وكان الواقع ينبئ بوجود كارثة فى فكر هؤلاء الشباب ولكن للأسف ساهمت الدولة متمثلة فى مؤساستها وساهم اعلام رياضى داعر بل وساهم شباب التشجيع الجديد فى اختلاق المبرر تلو الآخر فأصبح السباب المتبادل بهارات اللعبة وأصبحت الحروب شبه الأهلية مقبولة كجزء من اثارة اللعبة وأصبحت الدخلات والبانرات وما تستدعيه من بذل الجهد والمال والوقت هدفا ذو قيمة وأصبح الانتماء للنادى انتماء للكيان وأمتلأت اغانيهم بعبارات مثل " اديله عمرى " وبدلاً من رفضها والتنبيه على خطورة مدلولها تم الترويج لها وأدى ذلك كله " دون أى تهويل " لوجود عقيدة الانتماء للأندية لدى هؤلاء الشباب تنافس العقائد الدينية والوطنية .
ثم قامت الثـــــورة .. قامت لأننا لم نكن لنحتمل واقعنا المؤسف أكثر من ذلك , قامت لأننا قيمنا وأخلاقياتنا وصلت إلى الحضيض , قامت لأن الفساد استشرى وأصبح كالهواء والماء , قامت وأيقظت بداخل الكثير منا أفضل ما فينا واكتشفنا أننا مازلنا بشر , مازال بداخلنا بقايا من نخوة وكرامة , ما زال بداخلنا الحياة وأننا كشعب لم نمت بعد ..
ونجحت الثورة فى تحقيق هدفها الأوَّلى وظن كثيرون أن دورهم انتهى فعادوا إلى حياتهم اللاهية وعادوا إلى قيمهم الدنيَّة وكان على رأس هؤلاء مشجعى الأندية الذين ذهبوا من جديد الى الاستادات فى مباريات ودية ودولية بالآلاف حاملين شماريخهم وبانراتهم وأغانيهم وأفكارهم وقيَّمهم البالية التافهة , ذهبوا وهم يعتقدون أنهم أحدثوا ثورة أشاد بها العالم أجمع وتناسوا أن يثورا على أنفسهم ويضعوا كرة القدم وأنديتهم فى نصابها وحجمها الحقيقى فكان حتمياً أن نرى هذه المسوخ وهى تقتحم أرض الملعب فى مباراة .. هى مجرد مباراة فى لعبة .. ليظهروا فى صورتهم الحقيقية وليظهر خواء فكرهم وعقيدتهم التى يبذلوا فيها الغالى والنفيس .
ولأن العقلية هى هى .. خرج من يقول أن من نزل لأرض الملعب هم مجموعة من مأجورى النظام السابق وأنها سيناريو معد سلفاً لمحاربة الثورة وتناسوا أن وجود هؤلاء المشجعين بفكرهم وسلوكهم هو فى حد ذاته ضد الثورة سواء اقتحموا الملعب او لم يقتحموا .
ولأن العقلية هى هى .. خرج مشجعى الأندية الأخرى ليكيلوا الشتائم والاتهامات للتوأم ولجماهير الزمالك وبدأوا فى جولة جديدة من المعايرة ومن نسج وهم جديد عن اللاوطنية وما سيتبعها من اضفاء وهم جديد من وطنية زائفة على أنديتهم وتناسوا أن التوأم سقط يوم أن هاجم الثورة وثوارها كما سقط أغلب مشاهير هذا البلد وتناسوا أن سلوك غالب جمهور الأندية فى مصر متماثل لأن المعطيات واحدة وبالتالى فلابد وأن تكون النتائج واحدة حتى وان اختلفت ميولهم للأندية المختلفة .
المشكلة فى العقول والأفهام .. المشكلة فى اضفاء قيم نبيلة وسامية على شيء هو ثانوى وترفيهى بالأساس .. المشكلة فى أن يردد بل ويؤمن ويعتقد بعضهم أنه بتشجيعه لناديه فهو ينتمى لكيان يستحق التضحية وأن يهب له عمره .
هل توقف أمثال هؤلاء عند لفظة " الكيان " هل عرف معناها وهل عرف معنى الانتماء لكيان !!
الكيان هو الشيء القائم بذاته وربما يكون شيئاً مادياً ملموساً أو يكون شيئاً معنوياً .. فالدين كيان والوطن كيان والنادى كيان بل والنملة كيان , لذا فكلمة كيان لا تحمل أى قدسية ولا توحى بالضرورة لأهمية ما , ولكن قيمة الكيان تستمد من قيمته المجردة دون النظر الى كثرة او أهمية من ينتمون له
فالدين على سبيل المثال كيان مهم وذو قيمة وذلك من خلال الحكم عليه مجردا فهو يهتم بعلاقة الانسان بربه وبنفسه وبالآخرين ويزكى النفس ويعلو من شأنها , والوطن كذلك كيان مهم وذو قيمة ففيه تعيش وتتعايش مع الآخرين وكلما علا شأنه انعكس ذلك عليك بصورة مباشرة وغير مباشرة ولذلك تستحق تلك النوعية من الكيانات ان تنتمى لها وتبذل فى سبيل اعلاء شأنها الغالى والنفيس .
اما النادى ..! فما هى القيمة المجردة له , ماذا يمثل النادى " أى نادى " .. ؟ لنستمع لأقوال بعضهم ونرى ان كانت قيم حقيقية ام هى وهم من خيال عقولهم المريضة
يقولون ان الانتماء للنادى يزكى من قيمة الانتماء داخل الشخص مما ينعكس عليه فى انتماءه لوطنه ودينه وغيرهما
كذب وبهتان وسطحية وتفاهة .. أليس من الأولى ان تنتمى مباشرة لدينك ووطنك خصوصا وأن دينك ووطنك دوما فى حاجة إليك , لماذا تلجأ إلى وسيلة لتقربك من دينك ووطنك ألا تعتقد أنك بذلك مثل من يتخذ وسيط ليتقرب إلى الله وهو ما ذمه الله فى قرآنه
يقولون أنهم ينتمون لأندية لأنها تجسد الوطنية أو لأنها تجسد الديمقراطية التى يتمنوها
كذب بهتان وسطحية وتفاهة .. فمصر الآن تمر بمرحلة بناء الديمقراطية وشعبها يعيش ازهى مراحل الوطنية فلماذا ترضى بالأدنى وتترك القيمة الحقيقية لتهرب إلى وهم تغرق فيه
قديما كانوا يرددون أنهم مكبوتين ولا يستطيعون تفريغ طاقاتهم فى شيء ايجابى بسبب حال البلد المزرى ولذا يلجأون إلى الأندية ليفرغوا طاقاتهم بدلاً من اللجوء إلى العنف والتطرف والإدمان وغيرها
كذب وبهتان .. فالحال تغير الآن ولم يعد لمنطقكم أى مبرر ولكن استمراركم كما أنتم يفصح عن خلل جلّى فى تركيبة شخصيتكم .
أفيقوا أيها السادة .. أفيقوا أيها الشباب .. وثوروا على أنفسكم لتتحقق الثورة فى بلدكم