الانتماء، كلمة تتردد يوميا على مسامعنا أكثر من مليار مرة، وفي كل وقت
تمر علينا مرور الكرام دون أن ننظر الى معناها بأية من الجمال والتفكر.
فمعنى كلمة الانتماء مشتق من النمو، التي هي تعني زاد أو كثر، ولكن للأسف
في مصطلحاتنا تصرفاتنا وحياتنا تختفي هذه الكلمة، بل وصلت الى مرحلة
الانقراض والاندثار من كل أسمى معاني الحياة في مصر.
وسمعت لأول مرة هذه الكلمة من شقيقي الأكبر عاطف الذي رباني يوما ما على
الانتماء الى تقاليد مصر وعادتنا الشرقية عندما كنت صغيرا في نعومة أظفاري
وجديد على حياة التغرب في ايطاليا. ومنذ أيام وأنا أفكر في هذه الكلمة
ودورها الحقيقي في حياة المصريين. وتذكرت مقالا كنت قد قرأته في أحدى الصحف
العربية وكان غريبا وملفتا للانتباه بالنسبة لي، هناك في أمريكا تعقد
جلسات سرية للمحكمة في الطعون التي يقدمها الصحفيون والمحققون في الجهات
الحكومية. وتصر هيئة القضاء الأميركية على عدم اثارتها بحجة الانتماء، بل
الأكثر من ذلك أن هناك أحد مؤلفي السينما تم انهاء حياته كسيناريست بسبب
عرضه لفيلم تسجيلي على مواقع التواصل الاجتماعي يبين فيه بعض مساوئ هيئة
الثروة الحيوانية في كاليفورنيا، تم تجاهل أعماله من نقابة الممثلين والسبب
كان بأنه يعرض صورة سيئة لأمريكا وعدم الانتماء!
وعدت بذاكرتي للخلف في كرة القدم التي قدمت أمثلة عريقة للانتماء، الأول
تمثل في لاعب ليبيري يدعى بجورج ويا، بالطبع تعرفوه لأنه كان أفضل لاعب في
العالم من قبل. ويا اشترط عند عقده مع ميلان الإيطالي قادما من فرنسا أن
يخصص 35% من قيمة عقده لفقراء ليبيريا، بل وزاد عليها شرطا بأن يتحمل فريق
ميلان قيمة معسكرات وسفر بلاده لخوض المباريات الرسمية والودية، هذا قبل أن
يرفض الجنسية الفرنسية بسبب مقولته الشهيرة: ليبيريا لم تتفوق لأنها تعاني
من ظروف اجتماعية، وأتمنى أن أضعها على الخريطة العالمية.
والمثال الثاني تمثل في الأرجنتيني ماورو زارتي الذي انتقل الى قطر وعرض
عليه مبلغ 5 ملايين يورو مقابل الجنسية فرفض وأصر على مغادرة قطر ولو كلفه
ذلك غرامة عدم لعب كرة القدم مدى الحياة. هذا وان دل فأنه يدل على أن
الانتماء بالفعل وبالتأكيد عراقة وعقيدة مرسخة ومؤصلة في نفوس هؤلاء
الأشخاص الذين للأسف نذكر مواقفهم ونتحدث عنها في المقاهي لنتفاخر، دون أن
ننظر بعين الاعتبار أنها كانت في يوم من الأيام من مروءة وشهامة العرب
الذين كانوا يتباهون بها بينهم كقبائل وأشخاص وعشائر.
ونظرت هنا في مصر للأعلام والثقافة والسياسية والرياضة، للأسف كلمة
صغيرة أو ثغرة قليلة عن الانتماء الا ما ندر منه من مواقف لا نذكرها نحن في
صحفنا وحياتنا لأننا نأبى دائما أن نوطد من قيمة كلمة الانتماء. بل وزدت
عليها تسابق الأعلام في فضح بلاوي البلاد ومصائبها تحت مسمى الانفراد
والمشاهدة والمتابعة والإعلان دون الوضع في نصب الاعتبار تقييم واضح وراقي
لكلمة الانتماء التي اختفت من قاموس حياتنا وقيمنا وشخصيتنا. ورحم الله
الشاعر العريق الذي قال: انتموا الى فخر المال وسبل الحياة عبارة ... وما
علموا أننا للانتماء شيم قوم وعادة.