تقترب عقارب الساعة من العاشرة إلا الربع مساءاً بتوقيت القاهرة، ولا يتبقى على نهاية المباراة سوى خمس دقائق فقط، وها هو محمد صلاح يخطف الكرة على طرف الملعب الأيمن من يوسي بنعيون وينطلق بالكرة ماراً بسرعته من جانب تال بن حاييم، ليمررها لجدو.
" جدو، جدو، جدوووو يسجل الهدف الرابع للمنتخب المصري على نظيره الصهيوني باستاد كاستيلاو بمدينة فورتاليزا البرازيلية ".
ويا لها من فرحة هيستيرية للمصريين، وسط إعجاب شديد من جانب الجمهور البرازيلي الذي ملأ المدرجات وهتف بحرارة مع كل هجمة للمنتخب المصري ونادى باسم " جدو" الذي ركض نحو كاميرات المصورين ليخلع قميصه ويشير لما كتب تحته " كلنا فلسطين " ليتحصل على الكارت الأصفر الثاني له في المباراة، ويخرج في هدوء تاركاً أرض الملعب متأهلاً بمصر لدور الستة عشر بالمونديال لأول مرة في تاريخ أرض الكنانة.
قبل 15 شهراً ...
أتعجب كثيراً من الانتقادات الحادة التي طالت المنتخب المصري الأول في أعقاب " الفوز" على منتخب زيمبابوي " العشوائي " بنتيجة 2-1 في إطار الجولة الثالثة بالمجموعة السابعة في تصفيات إفريقيا المؤهلة لبطولة كأس العالم بالبرازيل 2014.
فلا تسألوني عن أداء اللاعبين في هذه المباراة، ولا تهاجمون برادلي على التشكيل، أو تلومون عبد الواحد السيد على الهدف الذي مني به مرماه، ولا تطلبون من حسني المزيد، والسبب ببساطة، أننا على الطريق الصحيح.
فقد شاركت مصر بخمس تصفيات كأس عالم منذ آخر مشاركة لها بالمونديال عام 1990 بإيطاليا، وفي الخمس مرات لعب المنتخب المصري أكثر من 50 مباراة، تراوحت فيها المستويات، منها مباريات كانت عالمية من حيث الأداء، ولكن النتئاج دائماً كانت " صفراً "، فلم نتأهل أبداً طوال أكثر من 22 عاماً.
ولعلي على سبيل المثال أذكر أحد اللقاءات التي أدى فيها المنتخب المصري أداءاً راقياً رفيع المستوى، ألا وهي مباراة مصر والمغرب باستاد القاهرة في تصفيات 2002 - تحت قيادة الجنرال محمود الجوهري رحمه الله - وأذكر كمية الجمل التكتيكية التي قدمها الجنرال، والكرات العرضية وتنويع طرق اللعب من العمق والأجناب، وبدا المنتخب المصري وكأنه يصول ويجول، فكانت التسعين دقيقة بمثابة الـ " الرعب " للمنتخب المغربي.
وأذكر تحديداً كرة عرضية في الشوط الأول من محمد عمارة سددها ميدو قوية برأسه اهتزت لها العارضة، كذلك كرة طارق السعيد وهو ينفرد بالمرمى ويراوغ الحارس، ليعلو صوت المعلق " مدحت شلبي " حينها : " والنبي، والنبي، والنبي، .. "، إلا أن المحصلة في النهاية كانت الخروج بالتعادل السلبي المخيب، وخسارة المزيد من النقاط وفي النهاية الخروج من السباق.
لذا، فلا داعي للهجوم على برادلي ولاعبيه، ففي تصفيات بطولة كبرى مثل كأس العالم، لا عنيني الأداء، وما يهم فقط هو المكسب، والمكسب يأتي بمكسب، وهذا هو الاختلاف في هذا المنتخب عما سبقه في الأعوام السابقة، فقد كنا دائماً نفتتح مبارياتنا بنتائج سلبية ونعود في النهاية لنحسب " حسبة برما " ونمسك بالورقة والقلم.
ورغم يقيني أن المشوار ما زال طويلاً، وأننا حتى – إن شاء الله إن تخطينا المجموعة – فسيكون هناك دور ثاني من لقائين " ذهاب وإياب "، إلا أنني كما قلت واثقاً أننا على الطريق الصحيح، وأن الوضع هذه المرة مختلف، طالما أننا نفوز.
إسرائيل
ولكن الغريب، أنه في نفس التوقيت الذي يبزغ فيه نجم المنتخب المصري، يظهر على السطح منتخب الكيان الصهيوني، كأحد المرشحين للوصول هو الآخر للبطولة لأول مرة في تاريخه، فالفريق هو ثاني المجموعة السادسة بتصفيات أوروبا حتى الآن، خلف المنتخب الروسي، وبنفس رصيد المنتخب البرتغالي الذي ثالثاً في المجموعة.
وهنا آخذكم إلى بداية هذه المقالة، فالكثير منا يكره مجرد سماع اسم الكيان الصهيوني - وأنا كذلك - ولكني أتخيل بل وأتمنى أن يتحقق بالفعل السيناريو الذي كتبته في البداية، وأعلرف جيداً أنني هنا قد أتلقى وابلاً من السباب والذم من جانب القارىء.
ولكن ماذا لو صعد الفريقان بالفعل وأوقعتهما القرعة في مجموعة واحدة ؟ هل سيطالب المصريون أبناء بلدهم بالانسحاب من المباراة كما فعل الكثيرون من قبل في مختلف الألعاب الفردية ؟
حقيقةً، أنا أرفض هذه النغمة، بل وأتمنى صعود الكيان الصهيوني " فقط " لنقابله، بل ونهزمه هزيمة نكراء مع احتفاظنا باللعب النظيف، لنحقق فوزاً - ولو معنوياً - لجيل لم يرى أبداً أي انتصار على هذا الكيان اللعين.
أتمنى أن أرى لاعبي المنتخب المصري يقدمون أجمل مباراة في حياتهم أمام هذا الكيان، ويسجدون مع كل هدف، ويكون دعائهم واحد مع كل سجدة بالنصر عليه داخل وخارج البساط الأخضر، بل وأرى أمامي غيظ وانفجار لاعبي المنتخب الإسرائيلي وجمهوره في الملعب وهم يرون لاعبي المنتخب المصري الـ 11 وفي معصم كل منهم - الأيمن والأيسر - " لفافات " أعلام باقي الدول العربية ليكون بذلك المجموع 22 دولة، تمثل كل الدول العربية، لتكون رسالة مخيفة – ولو رمزية - لذلك الكيان وللعالم أننا نحن العرب جميعاً يداً واحدة حطمنا ذلك الكيان وأذلناه.
فهل يتحقق بالفعل هذا التخيل ؟ لننتظر ونرى الإجابة من " مصر وإسرائيل " ..
ملحوظة : اختيار " جدو " - صاحب الهدف - لوصف لحظة الفرحة والنصر، هو اختيار مقصود، وذلك كدلالة رمزية تعيد لأذهان الصهاينة إذلال أجدادنا لهم من قبل في حرب 1973، وترمز لهم بعودة ذلك النصر.